کد مطلب:306606 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:168

اوروبا والمستنقعات


و هنا قد یستغرب بعض القراء هذا الأمر و یقولون: اذا كان العرب أول من اسسوا المدارس الطبیة، و اقاموا المراصد فی اوربا اذاً این كان أهل اوربا، و كیف كانوا بهذا التخلف و نحن نراهم الیوم بهذا التطور والرفاهیة..

نقول: نعم اننا نحدثك عن كتابهم و مفكریهم و منهم العلامة (درابر) المدارس بجامعه نیویورك فی كتابه (المنازعة بین العلم والدین) یقول:

«ان أوربا فی ذلك العهد كانت غاصة بالغابات الكثیفة من اهمال الناس للزراعة و كانت المستنقعات قد كثرت حول المدن.. فكانت تنشر منها روائح قتالة اجتاحت الناس و أكلتهم، و لا مغیث لهم. و كانت البیوت فی باریز، و لو ندرة، تبنی بالخشب والطین المعجون بالقش والقصب، و لم یكن فیها نوافذ و لا أرضیات خشبیة. أما الأبسطة فكانت مجهولة لدیهم، و كان یقوم مقامها القش ینشرونه علی الأرض. و لم یكونوا یعرفون المداخن، فكان الدخان یطوف البیت ثم یتسرب من ثقب صنعوه له فی السقف.. فكان الناس فی هذه البیوت معرضین لكل أنواع الأمراض والاصابات الخطیرة. و كان الناس لا یعرفون معنی


النظافة فیلقون باحشاء الحیوانات، و أقذار المطابخ، أمام بیوتهم أكواما تتصاعد منها روائح قاتلة و لا رقیب و لا حسیب. و كانت الأسرة تنام فی حجرة واحدة من رجال و نساء و أطفال، و كثیراً ما كانوا یؤوون معهم الحیوانات المنزلیة.

«و كان السریر عندهم عبارة عن كیس من القش، فوقه كیس من الصوف كمخذة. و كانت النظافة معدومة لدیهم لا یعرفون لها رسما».

«و كان الغنی منهم لا یأكل اللحم إلّا كل أسبوع مرة، و لم یكن الشوارع مجار و لا بلاط و لا مصابیح».

«و هذه الجهالة كانت من أثرها علی أوربا أن عمتها الخرافات والأوهام، فانحصر التداوی فی زیارة الأماكن المقدسة، و مات الطب و كثرت أحاییل الدجالین و قد كان إذادهم البلاد و باء فزع رجال الدین إلی الصلاة و لم یلتفتوا لامر النظافة.

فكانت تفتك بهم الأوبئة فتكا ذریعا، حتی أنها انتشرت فی أوربا عدة مرات، فاجتاحت الملایین من أهلها فی أیام معدودة. و قد كان الموت فی أوربا فی هذه العصور بنسبة واحد إلی ثلاثة و عشرین، فصار الیوم واحد إلی أربعین».

.. و لكی یدرك القاری ء الفرق بین هذه الحیاة الاجتماعیة و بین حیاة العرب والمسلمین فی بلادهم، نأتیك بطرف مما ذكره العلامة (درابر) نفسه فی كتابه المذكور آنفاً قال:

لم تكن اوربا العصریة بأعلی ذوقاً و لا أرق مدینة و لا ألطف رونقاً، من عواصم الاندلس علی عهد العرب. فقد كانت شوارعهم مضاءة بالانوار، و مبلطة أجمل تبلیط، والبیوت مفروشة بالبسط، و كانت تدفأ شتاءا بالمواقد، و تهوی صیفاً بالمنسمات المعطرة عن طریق إمرار الهواء تحت الارض من خلال اوعیة مملوءة زهراً.


تتمیز مآدبهم بالقناعة فكانت الخمر محرمة علیهم، و كانت غایة لذاتهم البدنیة تنحصر فی تمشیهم حول اشجار البرتقال یسمعون قصة مسلیة، أو یتجادلون فی موضوع فلسفی متعزین عن مصائب الدنیا و آلامها بقولهم: انها لو كانت بلا آلام و متاعب لنسوا حیاتهم الاخرة.

و كانوا یوفقون بین جهادهم فی هذه الحیاة و بین آمالهم فی النعیم المقیم فی الاخرة) [1] .

و لذلك تقول المستشرقة الالمانیة الدكتورة (زیكرید هونكه) فی كتابها (شمس العرب تسطع علی الغرب) [2] تحت عنوان: (شعب یذهب الی المدرسة).

تقول: «لو اردنا دلیلاً آخر علی مدی الهوّة العمیقة التی كانت تفصل الشرق عن الغرب، لكفانا أن نعرف انّ نسبة 95% علی الأقل من سكان الغرب فی القرون: التاسع والعاشر والحادی عشر والثانی عشر، كانوا لا یستطیعون القراءة والكتابة. و بینما كان شارل الأكبر یجهد نفسه فی شیخوخته لتعلّم القراءة، و فی الأدیرة یندر بین الكهنة من یستطیع مسك القلم، لدرجة انه عام 1291 م لم یكن فی دیر القدیس جالینوس Si.Gallen من الكهنة والرهبان من یستطیع حلّ الخط،


بینما كان هذا كلهّ یحدث فی الغرب، كانت آلاف مؤلفة من المدارس فی القری والمدن تستقبل ملایین البنین والبنات، یجلسون علی سجادهم الصغیر یكتبون بحبر یمیل إلی السواد فوق ألواحهم الخشبیة، و یقرأون مقاطع من القرآن حتی یجیدوها، و یجوّدون ذلك معاً بلحن جمیل عن ظهر قلب ثم یتقدمون خطوة تلوَ الأخری فی المبادئ لقواعد اللغة. و كان الدافع الی كل هذا هو رغبتهم الصادقة فی أن یكونوا مسلمین حقاً كما یجب أن یكون المسلم. فلم یجبرهم أحد علی ذلك بل اندفعوا إلیه عن رغبة و إیمان، لأن من واجب كل مسلم أن یقرأ».


[1] هكذا يعترف «درابر» المدرس بجامعة نيويورك الامريكية (و من فمك أُدينك).. و نصاري الاندلس انفسهم اي (الاسبانيون) يملأون اجواء اوربا بالمديح والاعجاب باعمال المسلمين و شرائعهم و معاهدهم و حضاراتهم و انظمتهم والعمران الذي ادخلوه علي البلاد الاسبانية و بما يقوم به المسلمين من اعمال جليلية و مآثر خالدة ادت الي تحويل البلاد الاسبانية الي جنات قطوفها دانية، و شرائع وانظمة ملأت الاقطار عدالة وامناً و هذا ما جعل الافئدة والاسماع والابصار في ديار الافرنج تتجه الي الاندلس.

[2] شمس العرب تسطع علي الغرب: زيغريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون و كمال دسوقي ص 393.